خطيبى ايها الساده شاب غير عادى..
ربما تظنون انها مبالغه منى ، او هو حبى الشديد له ، او
انبهارى به ..
ولكنكم واهمون..
انها الحقيقه ..
خطيبى فعلا ليس شابا عاديا ..
تمه طيب القلب ، سليم الطويه .. شديد الحماس ، صداق
القول ، مجتهد ، مثابر ، مهذب ، لبق ..
ولكن لديه مشكله واحده ..
كل شئ فى حياته مسألة مبدأ ..
ربما يدهشكم هذا القول ، او يبدو لكم هلاميا مطاطيا..
وربما ابتسمتم فى سخرية ، او هتفتم فى دهشة ، ولماذا
تعتبرينها مشكلة؟ ..
ولهذا سأقص عليكم قصة واحدة ..
ثم احكموا بأنفسكم ..
عندما تخرجنا معا من كلية الطب ، منذ عدة اعوام ، كان
ترتيب خطيبى الخامس ،وكان سعيدا للغايه ، يتقبل التهانى بابتسامه واسعه ، وفرحة
واضحه ، فهنأته من كل قلبى ، وقلت :
- أعتقد انك ستصبح عما قريب احد اعضاء هيئة التدريس فى
الكليه .
وهنا تنحنح فى وقار ،وعدل منظاره الطبى الانيق فوق أنفه
وقال :
- لا ياعزيزتى .. لاأحب حياة الابراج العاليه .. سأعمل
فى المستشفيات الحكوميه
أفزعنى الموقف بل افزعنى فى الحقيقه وقضيت ساعه كامله ،
فى محاولة لاقناعه بالعدول عن رايه هذا ولكنه اتحفنى بمحاضره طويله عن الشعب
والفقراء حتى اخرسنى تماما وهو يختم محاضرته قائلا :
- هذا الموضوع غير قابل للنقاش .. أنها مسألة مبدأ
وهكذا ابتلعت لسانى ، ولم أعد لمناقشة الامر ثانية ، حتى
فوجئت به ذات يوم يقول بابتسامه واسعه :
- هل تعلمين ؟ استاذ الجراحه معجب للغاية ببراعتى فى هذا
المضمار لقد طلب منى بنفسه ان اتقدم للحصول على نيابة الجراحه العامه فى الجامعه .
وبقدر ماأدهشنى تراجعه ، أظهرت فرحتى وسعادتى وهنئته .
وتقدم باوراق الترشيح بالفعل ..
ورفض رئيس القسم ..
وكانت الصدمه قوية بالنسبه لخطيبى ، الذى ثار وهاج ،
واعلن انه احق افراد دفعته بالحصول على نيابة الجراحه العامه وانه لن يتنازل عن
مستقبله ابدا فى الانضمام الى هيئة التدريس !!
ولكن رئيس القسم أصر على الرفض
ومع حاله من الاحباط والانهيار التى اصيبت خطيبى اقترحت
عليه ان يتنازل عن نيابة الجراحه العامه ، وان ينضب الى نيابة التخدير او الاشعه
التشخيصيه ولكنه هتف قائلا :
- مستحيل .. الجراحه العامه والا فلا .. انها مسألة مبدأ
ولم يمض اسبوع واحدا على حوارنا هذا ، وفى أخر يوم من
ايام الترشيح للنيابات الجامعه ، تقدم خطيبى باوراقه الى قسم التخدير ..
وحصل على النيابة..
نيابة التخدير بالطبع ..
وأثبت خطيبى تفوقه وبارعته فحصل على شهادة المجاستير فى
فترة قياسيه ، وأصبح أخصائيا فى مجاله
ثم حصل على شهادة الدكتوراه ، قبل زملائه بعام كامل ..
وأصبحت اسعد فتاه فى الدنيا كلها ..
ولكن كان ينقصنا امر واحد
ان نتزوج ..
وعندما طرحت الفكره على استيحاء انهمك هو فى التفكير
العميق ثم قال :
- هل تعلمين .. لابد لى من زيادة دخلنا قبل ان نقدم على
الزواج حتى اضمن اك حياه بلا متاعب .
سألته عندئذ فى اهتمام :
- مارأيك فى البحث عن عقد جديد فى واحده من دول البترول
؟
حدق فى وجهى بدهشه اقرب الى الذهول ، وصرخ فى لهجه تحار
فى تحديد مغزاها ، مابين الغضب والاستنكار .
- دول البترول ؟ مستحيل !
قلت فى حذر :
- ولم لا ستعمل هناك لعام او عامين ثم تعود الى هنا ...
قاطعنى فى صرامه :
- قلت مستحيل الا تعلمين مايطلقونه على دول البترول هذه
؟.. انهم يسمونها بلاد النفط والمهانه هل تعلمين لماذا ؟ ..
ومره اخرى القى على مسامعى محاضره طويله استمعت اليها فى
صمت مكتفيه بايماءات مهذبه من راسى وانهاها كالعاده بالعباره التقليديه :
- انها مسألة مبدأ.
وحاول بالفعل ان يزيد من دخله بالعمل المتواصل والمثابره
والكفاح والنشاط والحماس ..
ثم تعلم الدرس الاول من الدروس الحياة ..
ان كل هذا لايكفى
الله (سبحانه وتعالى) وحده يمنح الرزق لمن يشاء من عباده
ثم ان تخصصه مرهق .. انه لايستطيع العمل وحده ولابد من
التعامل مع جراح متخصص وهذا يقلقه وبعد شهر واحد من العمل المتواصل منذ الصباح
الباكر وحتى منتصف الليل .. اختفى خطيبى لعدة ايام ثم فاجئنى بزيارته وهو يقول فى
حماس :
- لقد قدمت اوراق لمكتب التوظيف السعودى.. انهم يطلبون
اطباء التخدير .
هتفت فى سعاده .. دون ان اناقشه فى أمر رفضه سابقا:
- عظيم خطوه ممتازه
ثم سألته فى لهفه :
- هل ذكروا شيئا عن الاجر ؟
هز رأسه نفيا .. وقال بأبتسامه عريضه :
-كلا .. ولكنى لن أقبل أقل من سبعة الاف ريال سعودى
أنها مسألة مبدأ
ألم أقل لكم انه شاب غير عادى ؟!