الاوتوبيس لايقف عند قرية (ميت شواشى )
قد تبدو لك هذه العباره عاديه او لاتثير انتباهك قط
فالمشكله بالنسبه لك امر تافه لن يشغل تفكيرك لاكثر من الوقت اللازم لقراءة
العباره ولكنها بالنسبه لسكان (ميت شواشى ) كانت مشكله عويصه ، مابعدها مشكله ...
هذه القرية مظلومه سواء فى الجغرافيا او التاريخ فلم
يحدث ابدا ان انجبت احد المشاهير او رجال السياسه او الفنانيم وليس لها حتى عضو من
ابنائها فى مجلس الشعب .
وطوال عمر (ميت شواشى ) لم تحدث فيها اية مواقع حربيه او
تاريخيه او حتى يقع فى حدودها حادث اجرامى خطير يستحق التحدث عليها .
ولهذا عاشت (ميت شواشى ) دائما مجهوله منسيه لا يعرفها
سوى سكانها والقرى المحيطه بهم حتى ان هيئة المساحة نسيت ذكر اسمها فى خرائطها فلم
يعد حتى المسئولون يعلمون بوجودها .
ونتيجه لهذا الوضع العجيب ، لم يتوقف ( الاوتوبيس ) ابدا
عند ( ميت شواشى ) ...
كانت له محطه فى القرية التى قبلها ، واخرى امام القريه
التى تليها دون ان تكون له محطه واحده امامها
ومنذ مولدهم ، يتعلم ابناء (ميت شواشى ) ان عليهم السير
الى اقرب قرية لانتظار ( الاوتوبيس ) حتى يمكنهم الذهاب لعملهم فى المركز او
لمدارسهم فى المدن ...
وذات يوم ثار سكان (ميت شواشى ) على هذا الامر وقرروا
اعلان غضبهم للمسئولين لعلهم يدركون انهم قرية مثل باقى القرى ويحتاجون الى محطة
(الاوتوبيس )...
ولان معظم سكان (ميت شواشى ) من محدودى الدخل والتعليم
فقد لجنو الى الاستاذ (عوض ) الحاصل على دبلوم صنايع وابن شيخ الخفراء الحاج
(احمد) وعرضوا عليه مشكلتهم وطلبوا منه ان يتحدث باسمهم الى المسئولين ليقنعوا
(الاوتوبيس) بالتوقف عند (ميت شواشى ) .. وشعر الاستاذ (عوض) بالمسئولية الملقاه
على عاتقه فكتب شكوى ليعرضها على المسئولين هناك ..
واستقبل المسئول الاستاذ (عوض) فى حرارة واستمع اليه فى
اهتمام ثم وعده بحل المشكله وصافحه مودعا..
وعاد الاستاذ عوض الى ريته والامل يملأ نفسه ويشع من
وجهه وعينيه وابلغ الجميع ان المشكله فى طريقها الى الحل فى ايام معدودات واستبشر
السكان خيرا وانتظروا مرور هذه الايام المعدودات فى صبر ولكن الايام مرت واصبحت
أسابيع وشهور دون ان يتوقف ( الاتوبيس ) امام (ميت شواشى) او يبدو حتى انه سيفعل ،
وهكذا عاد السكان الى الاستاذ (عوض ) واعلنو تذمرهم وغضبهم فما كان منه الا ان كتب
شكوى جديده وعاد بها الى المسئول وفى حرارة اكبر استقبله المسئول واكد له ان
المشكله فى طريقها الى الحل وان (الاتوبيس) سيتوقف حتما ولكنها مسأله روتين
وبيرواقطيه وخلافهما ..
ونقل الاستاذ (عوض)هذا الحديث للسكان الذى قرروا
الانتظار فى صبر مره اخرى لايام وأسابيع وشهور دون جدوى .. وهنا ثارت ثائرة
الاستاذ (عوض) وأعلن لسكان القرية ان (الاتوبيس) سيتوقف عند (ميت شواشى) ولو على
جثته ..
وأختفى الاستاذ (عوض)يومين من منزله ثم خرج الى اهل
القرية منتشيا ظافرا وهو يحمل لافته مستديره فوق عامود طويل كتب عليها بخط انيق
كلمة (موقف اوتوبيس)
وفى احتفال شعبى صغير غرس السكان اللافته عند مدخل
القرية ووقفوا الى جوارها ينتظرون (الاوتوبيس)..
ولكن الاتوبيس مضى دون ان يلتفت الى اللافته متجاهلا
اياها تمام بحجة ان خط السير الرسمى الذى سلموه اياها فى محطة البدايه لايتضمن
التوقف عند هذه القرية التى يجهل حتى اسمها ...
وشعر الاستاذ (عوض) بهزة قوية فى كرماته وبدا له الامر
وكانه طعنه شخصيه له واهانه مابعدها اهانه
وفى تلك الليله لم يغمض له جفن ..
كان دمه يغلى فى عروقه ويتصاعد الى مخه فيشعر بغليانه
ويشم رائحة أبخرته المحترقه .. صحيح ان أحدا لم يوجه اليه اللوم ولكن قضية
(الاتوبيس) أصبحت قضيته الشخصيه وأصبح عليه ان يوقفه ..ولو على جثته ..
وفى ساعات الفجر الاولى حمل (عوض) بندقية والده وخرج
ينتظر اول (اتوبيس) .. كان الجو رطبا والضباب ينتشر فى كثافته ولكنه اصر على
التصدى ل (الاتوبيس) مقبلا وسط الضباب الكثيف فرفع بندقيته وهو يحاول اختراق
الضباب ببصره..
ثم ظهر الاتوبيس فجأه .. ظهر على بعد متر واحد منه ..
وقبل ان يفعل الاستاذ(عوض) شيئا أرتطم به (الاتوبيس)
وأسقطه تحت عجلاته وعبر فوقه..
وفى (الاتوبيس) سألأ السائق ..زميله الكمسرى :
- يبدو اننا قد ارتطمنا بشئ .. اليس كذلك ؟
كان الضباب كثيفا والرؤيه شبه منعدمه فقال الكمسرى فى
لامبالاه :
- لاتقلق .. أنه أحد الكلاب الضاله حتما"
هز السائق كتفه وهو يواصل طريقه فوق جثة الاستاذ (عوض)..
ودون أن يتوقف فى (ميت شواشى)..